السبت، 6 فبراير 2016

الشيخ والصناديق الاربعة

الشيخ والصناديق الاربعة
يحكى أن شيخاً من مشايخ القبائل كان له أربعة أبناء. لما أحسّ بدنو أجله أمر أحد خدمه بإحضار أربعة صناديق ذات أقفال، فقام الشيخ خفية، بدون علم أحد، ووضع بداخلها أشياء، ثم كتب على كل منها اسم واحد من أبنائه وبعد ذلك جمعهم، وقال:
“يا أبنائي إن الدنيا فانية زائلة، وإنني قد قسمت بينكم قسمة عادلة، وقسمتي موجودة في هذا الصندوق، فلتفتحوه إذا آتي على الموت، وليرض كل منكم بما قسمت له، وإن اختلفتم فيما بينكم فارجعوا إلى الحاكم الفلاني: (وسمى لهم رجلاً مشهوراً بالحكم).
وبعد أيام توفي الشيخ، فاجتمع الأبناء الأربعة، وقال كبيرهم: “هيا بنا نفتح الصناديق المغلقة، وليرض كل منا بقسمته”.
فلما اجتمعوا وفتحوها، وجد أكبرهم في الصندوق “السيف وخاتم الرئاسة والراية”، ووجد أخوه الثاني :”الرمل والحجارة”،
ووجد أخوه الثالث:”العظام”، ووجد الرابع:”الذهب والفضة”.
عند ذلك اختلفوا فيما بينهم، لأنهم طمعوا في نصيب أصغرهم، فتذكروا وصية أبيهم بالرجوع إلى الحاكم المشار إليه، فقالوا لا بد أن نحتكم إلى القاضي الذي ذكر والدنا، وكان بعيداً عنهم، فأعدوا العدة للسفر إليه. وخرجوا من قريتهم فلما قطعوا ربع المسافة فإذا بثعبان صغير معترض أمامهم فأهوى إليه أصغرهم ليضربه، فأخطأه، ففتح فاه حتى كاد يسد الطريق من شدة ثورته، ثم إنهم حاولوا الهرب حتى نجوا.
فلما مضى الربع الثاني: وجدوا جملاً في أرض جرداء قاحلة، وكان الجمل سميناً، لا يظهر عليه جدب أرضه، ثم مشوا قليلاً فوجدوا جملاً آخر هزيلاً في روضة خضراء يانعة .
فلما بقي من المسافة القليل وجدوا طائراً يطير حول سدرتين، كلما وقع على إحداهما: اخضرت، ويبست الأخرى، فإذا وقع على اليابسة اخضرت ويبست الأخرى. فأدهشهم هذا الأمر، فذهبوا وهم في حيرة من أمرهم، حتى وصلوا القرية التي فيها القاضي، فسألوا عن منزله. فلما طرقوا الباب فتحه لهم شيخ كبير ضعيف البصر، فسألوه عن القاضي هل هو موجود؟ فقال نعم، وهو أخي الأكبر، وهو في تلك الدار، وأشار إلى دار مجاورة. فذهبوا إليه وهم في دهشة، كيف سيقضي بيننا وهو شيخ هرم فان، فإنه لا يستطيع القضاء بيننا، إذا كان هذا أخوه، فكيف هو. فلما طرقوا الباب فإذا امرأة حيية، فسألوها عن القاضي فقالت: نعم، ادخلوا إلى المجلس حتى يأتيكم، فدخلوا عنده، وعند انتهاء القهوة، دخل عليهم فسلم، فكان رجلاً نشيطاً قليل الشيب، مكتمل القوة. فلما أكرمهم، قال كبيرهم: “أيها الشيخ: جئناك لمسألة واحدة، لكنها في طريقنا إليك، صارت خمس مسائل، فقد وجدنا أربع مسائل أدهشتنا وحيرتنا،”. فقال: هاتوا المسائل الأربع التي اعترضتكم في طريقكم، ثم اعرضوا علي مسألتكم التي جئتم من أجلها، عسى الله أن يوفقني وإياكم لحلها”.
قال كبيرهم: ”أما المسألة الأولى: عندما سرنا إليك وجدنا ثعباناً صغيرا فلما هاجه أحدنا، فتح فاه، فكاد يسد الطريق علينا، لولا أننا تسللنا منه لواذاً لما استطعنا هرباً منه”.
قال القاضي: ”هذا يا أبنائي الشر، أوله صغير، يستطيع كل شخص مجانبته، فإذا دُخل فيه كبر واستفحل.
ثم قال: “هاتوا يا أبنائي الثانية”. فقال المتكلم منهم: “المسألة الثانية: أنا لما سرنا وجدنا جملين الأول منهما كان يرعى في روضة جرداء قاحلة وحالته سمينة، والثاني منهما يرعى في أرض خضراء ممرعة، وحالته هزيلة، فعجبنا من حالتيهما، فأخبرنا عنهما”.
قال القاضي: “أما الجمل الأول وهو السمين القانع بما أعطاه الله فينتفنع بما في يديه، فارتاح في دنياه. وأما الثاني فهو الرجل كثير المال عنده خيرات كثيرة من المال والولد، لا يشكر ربه على ما أعطاه، فلا ينتفع بشيء أبداً.
ثم قال: “هاتوا الثالثة”. فقال المتكلم منهم: “ثم لما سرنا فوجدنا طائراً عنده سدرتان، إذا وقع على أحدهما اخضرت، والأخرى يبست، وهكذا دواليك”.
فقال القاضي: “نعم يا أبنائي ذاك الرجل المتزوج زوجتان، إذا ذهب أتى واحدة غضبت الأخرى، فإذا جاءها رضيت وغضبت الأخرى، وهكذا شأنه كله”.
ثم قال المتكلم منهما: “والمسألة الرابعة: حينما دخلنا القرية سألنا عن منزلكم، فأرشدنا لمنزل أخيك الأكبر، فوجدنا شيخاً هرماً، فلما سألناه عنكم، قال: إنه قريب، ولكن داره هناك، فلما جئنا إليكم، ازداد عجبنا حيث رأيناك - ما شاء الله – بصحة وعافية متعك الله بهما، فما سر صحتك مع أنك أكبر منه، وهو أضعف منك بكثير”.
قال القاضي: “أما ما وجدتموه من حال أخي الكبر، فإنه يرجع إلى أن عنده امرأة سليطة اللسان، بذيئة المنطق فهي تسلخ منه كل يوم، عسى الله أن يفرج عنه ما هو فيه. وأما إننا فإنني – والحمد لله على ذلك – أعيش عيشة هنية، أسأل الله أن يحفظها علي. فزوجتي صالحة، حيية أمينة، فأنتم جئتم وكنت نائماً، فلم توقظني، حتى جهزت القهوة وكل ما تحتاجونه، ثم أيقظتني، فجئت إليكم، وأنا نشيط مرتاح، والحمد لله على ذلك، فذلك سر سعادتي”.
قال المتكلم منهم: “والخامسة وهي مسألتنا، فنحن أبناء شيخ قبيلتنا” و (سموا له قبيلتهم)، وقالوا: لما توفي والدنا، قسم حظوظنا من أمواله بيننا، ووضعها في صناديق لا تفتح إلا بعد موته، فلما مات، فتحناها، فوجدنا في كل صندوق اسم واحد منا ، وفي الأول منها السيف وختم الرئاسة والراية ، ووجدنا في الثاني الرمل والحجارة، ووجدنا في الثالث: العظام، ووجدنا في الرابع: الذهب والفضة، فاختلفنا عند ذلك، وكان أبي أوصانا أن نرجع إليكم، فها نحن قد جئنا إليكم، لتحكم بيننا بما أراك الله، ونسأل الله أن يوفقكم للعدل والإنصاف، ونحن مستعدون بتنفيذ ما حكمت به بيننا، إن شاء الله تعالى”.
فقال القاضي: “لقد كان أبوكم حكيماً يا أبنائي، فلقد أعطى كل منكم ما يستحقه فمن كان نصيبه: السيف والختم والراية فهو شيخ القبيلة، سلف لأبيه، وعليكم السمع والطاعة له، وأن ترجعوا إليه، في كل أمر من أموركم،
ومن كان نصيبه الرمل والحجارة فله العقار والبيوت والأراضي،
ومن كان نصيبه العظام فله المواشي من خيل وإبل وبقر وغنم،
ومن كان نصيبه الذهب والفضة فهو أضعفكم، فلا تنسوه عند انتهاء ما لديه من مال، وأوصيكم يا أبنائي بالاتفاق وجمع الكلمة وأسأل الله أن يحفظكم ويرعاكم“.
ثم انصرفوا من عنده راضين بما حكم به لهم، وما فرض لهم أبوهم.
أعجبنيتعليق

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق